مفهوم الاصالة لدى الحركة الامازيغية


مفهوم الاصالة لدى الحركة الامازيغية


mehdi1983k@gmail.com
المهدي مالك

مقدمة 

يشرفني بمناسبة حلول الذكرى الحادي عشرة لخطاب اجدير التاريخي ان اتناول موضوع له رهينته الآنية و المستقبلية بالنسبة للحركة الامازيغية ببلادنا حيث انني شاهدت على شبكة الانترنت محاضرة في غاية الاهمية القيها الاستاذ و المناضل الامازيغي  احمد عصيد الذي اكن له كل احترام و تقدير باعتباره رجل  ناضل من اجل انصاف الامازيغية منذ عقد الثمانينات داخل احدى الجمعيات الامازيغية الا و هي الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي حيث من المعروف انها ساهمت في  تكوين نخبة متميزة من اساتذة الحركة الامازيغية.

 و كتب استاذنا الجليل العديد من المقالات و الكتب و عرفته منذ سنوات عبر البريد الالكتروني حيث كان يرسل معلومات قيمة حول فن الروايس عندما عملت  ككاتب عمود اسبوعي في احدى الجرائد الجهوية.

ان الاستاذ عصيد بالنسبة لي يتميز بالحس النقدي و بالجراة في طرح قضايا المغاربة الدينية و السياسية و الاجتماعية الخ من قضايانا المعاصرة حيث يدافع عن حقوق المراة و عن القراءة المعاصرة للاسلام و جعله يواكب العصر و يتصالح مع تاريخنا الاجتماعي بعيدا عن الفكر السلفي الرجعي .

و بالاضافة ان الاستاذ عصيد هو اصيل بطابعه حيث يمارس فن احواش الى جانب الحاج لحسن اجماع الخ من رواد هذا الفن الاصيل و الجميل في نفس الوقت.

بعض الملاحظات حول مسار الحركة الامازيغية و سؤال الاصالة

ان محاضرة الاستاذ عصيد الرائعة تدخل حسب رايي المتواضع في اطار مواجهة تنامي النزعة السلفية داخل فئات واسعة من مجتمعنا المغربي حيث ان عنوان هذه المحاضرة هو العلمانية و حقوق المراة و هي من تنظيم الجمعية المغربية لحقوق الانسان حيث قبل الدخول الى  جوهر هذه المحاضرة المتميزة  لا بد من ابداء بعض الملاحظات المهمة.

اولا علينا الاعتراف و الاقرار بان الحركة الامازيغية لم تستعمل مصطلح الاصالة قط في ادبياتها التي اعرفها شخصيا حيث يعتبر هذا  خطا كبير و عظيم استغلته التيارات المعادية للامازيغية و خصوصا ما اسميه بالتيار السلفي داخل مجتمعنا المغربي من اجل الاظهار ان الحركة الامازيغية ليست لها اية علاقة بالاصالة نهائيا و انما تدافع عن قيم دخيلة من الغرب كالحداثة و الديمقراطية و العلمانية بمفهومها الغربي الخ .

ثانيا صحيح انني دافعت عن قيم الغرب المفيدة في مقالي الاخير غير انني لم انتبه الى شيء مهم في هذه المرحلة الا و هو التأصيل حيث ان هذه القيم كلها تعد من صميم ثقافتنا الامازيغية منذ مئات القرون لكنها اخذت تختفي شيئا فشيئا بفعل دخول قيم السلفية الوهابية من المشرق العربي على مر القرون من تاريخنا  الاسلامي عموما و خصوصا منذ  الاستقلال حيث قامت الدولة بتاطير نخبتنا الدينية على القراءة السلفية للاسلام بغية جعل الشعب المغربي بعيد عن اصالته الحقيقية و بعيد عن التقدم بمعناه الشمولي لتسيير مؤسسات الدولة و كل القطاعات الحيوية.

ثالثا عندما ظهرت الحركة الامازيغية سنة 1967 وجدت واقع حساس على مختلف المستويات و الاصعدة حيث كان مفهوم الاصالة لدى الدولة انذاك  يتمثل في العروبة و الاسلام وفق القراءة السلفية  .

و امام ذلك الواقع الحساس اتجهت الحركة الامازيغية نحو تدوين التراث الشفوي الامازيغي من الأمثال و الشعر الخ  كنوع من انواع الاصالة .

و اتجهت الحركة الامازيغية نحو تدوين الاعراف الامازيغية من طرف المرحوم الفقيه امحمد العثماني في منتصف سبعينات القرن الماضي من خلال بحثه الشهير الواح جزولة و التشريع الاسلامي حيث وجدته في خزانة جدي الامام منذ سنوات.

 و بعد قراءته امنت شخصيا بان اجدادنا كانوا علمانيين في فكرهم و في حياتهم العامة و بالمناسبة انني قمت بكتابة مقالات تعريفية حول هذا العمل الهام بالنظر الى السياق الذي خرج هذا البحث القيم حيث كان من المستحيل ان يتحدث احد عن الامازيغية بشكل سطحي دون تعرضه للاعتقال او النفي من هذه الدنيا ..

و دعمت الحركة الامازيغية مختلف اشكال الفنون الاصيلة عبر تنظيم لقاءات دراسية و أمسيات فنية و اصدار الكتب .

 و بالاضافة الى احياء بعض المناسبات التراثية مثل ايض ن يناير حيث ان معظم المغاربة كانوا لا يعرفون وجود السنة الامازيغية او ابعاد تاريخها قبل سنوات بحكم تهميش ثقافتنا الامازيغية منذ سنة 1956 الى 2001 على مستوى السلطة العليا و على مستوى احزاب الحركة الوطنية المزعومة..   

اذن كخلاصة ظل مفهوم الاصالة حاضرا في  مسار الحركة الامازيغية غير ان الانسان العادي ذو ثقافية متواضعة للغاية حيث ان مصادرها قد تكون من المنظومة التعليمية الحالية او من خطابنا الديني المتخلف او من الفضائيات الدينية.

ان هذا الانسان عندما  يقرا ادبيات الحركة الامازيغية الحالية من قبيل الحداثة و العلمانية فانه سيعتقد ان هذه الحركة لا تدافع الا على قيم التغريب كما يسمى عند التيارات  الاسلامية و التيارات القومية ببلادنا او جل دول العالم الاسلامي حيث هنا يطرح مسالة التأصيل في خطاب الحركة الامازيغية الحالي اذا أردنا ان نواجه المد السلفي الخطير و اذا اردنا  ان نحقق تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية .
 

التأصيل هو عنوان المرحلة بالنسبة للحركة الامازيغية

ان جوهر محاضرة الاستاذ عصيد حول العلمانية و حقوق المراة يتمثل في التأصيل لجذور العلمانية في ثقافتنا الشعبية الامازيغية كما سماها عصيد في محاضرته القيمة حيث قلت في مقالي الاخير ان السلفية الوهابية كما اسميها هي دخيلة على حضارتنا الدينية الامازيغية كما هو معلوم حيث لا يستطيع أي عاقل ان ينفي ان الامازيغية تتوفر على تقاليد تتعارض مع المنهج السلفي بشكل كبير حيث من الطبيعي حدوث هذا التعارض الكبير لان الامازيغيين استطاعوا الاجتهاد و الابداع ببعده الفني و كذا ببعده السياسي لكن اغلب الناس ليس لديهم اية دراية بتاريخ بلادهم سواء قبل الاسلام او  بعده.

و أكد الاستاذ عصيد على ان ثقافتنا الامازيغية في عمقها هي علمانية بشكل معين لا علاقة لها انطلاقا بالعلمانية بمفهومها الغربي المعروف لدى عامة الناس حيث ان السلفي حينما يقول التقاليد الاصيلة فانه ينطلق من السعودية مباشرة دون أي انتباه لتقاليدنا الاصيلة المتواجدة في ارضنا الطاهرة أي يفرض على الناس تاويله المناهض لمجموعة من تقاليدنا الاصيلة كفن احواش الحامل لرموز المساواة بين الرجال و النساء في قالب يتحدث بلغة الاحترام و الوقار عبر لباسهم التقليدي و شعرهم الرائع .

 ان احواش له جذور عميقة في الجنوب المغربي منذ قرون حيث لا يستطيع أي كان ان يقضي على هذا الفن او غيره من فنوننا و تقاليدنا الاصيلة.

و عندما يحرم فقيها ذو النزعة السلفية الاحتفال بالسنة الامازيغية فانه ينطلق من تاويله  القائل ان المسلم يحتفل بعيد الفطر و بعيد الاضحى فقط بينما كان اجدادنا  يحتفلون بهذه الاعياد الدينية كلها أي بعيد المولد النبوي الشريف و بعيد عاشوراء  باعتبارهم مسلمين لكن مع ذلك فانهم يحتفلون بالسنة الامازيغية كعيد له بعد علماني اصيل في مجتمعنا الامازيغي القديم و يحتفلون بعادة بلماون في ثاني ايام عيد الاضحى  المبارك .

و عندما يحرم هذا الفقيه الاسماء الامازيغية بدعوة انها غريبة  عن مجتمعنا فانه غير مدرك لتاريخ المغرب الحقيقي بالنظر الى تكوينه السلفي في التعليم الاصيل في سوس  او في القرويين بمدينة فاس  حيث لست اعادي التعليم الاصيل و انما اعادي مناهجه المتجاوزة .  

و كشف الاستاذ عصيد عن خطة لاسلمة المغرب على النمط الوهابي اعلن عنها مؤخرا في الرباط ضمن لقاء نظمته حركة التوحيد و الاصلاح حيث انني لم اكن اعلم بهذا الخبر حتى سمعته من استاذنا الجليل ..

ان من المفروض على ضوء هذا المعطى تأصيل خطاب الحركة الامازيغية بكل مكوناتها الجمعوية و السياسية تجنبا للوقوع في فخ الاسلاميين مجددا عبر ترك مفهوم الاصالة لهم من اجل جلب فئات واسعة من مجتمعنا ذوي الثقافة المتواضعة صوب مشروعهم المعروف .

ثم مطالبة السلطة بتسريع وتيرة تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية حيث كان الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان واضحا في هذا الصدد بعد شهور من تنصيب الحكومة الحالية حيث يقودها حزب كان الى عهد قريب يناهض ترسيم الامازيغية في الدستور الحالي .

ثم على الحركة الامازيغية ان تدرك اهمية  اعادة تاهيل الحقل الديني حيث قلت في مقالي الاخير  ان السلطة ابان الاستقلال قامت بتاطير نخبتنا الدينية و جعلها تعيش في جزيرة بعيدة عن مفهوم التقدم و عن مفهوم الحضارة الانسانية بعلومها المفيدة مثل علم التاريخ و علم الاجتماع و علم الفن الخ بمعنى ان نخبتنا الدينية لا تخرج عن اطارها السلفي حيث هنا تظهر اشكالية الامازيغية و اشكالية حقوق المراة و اشكالية الديمقراطية نفسها في مواجهة تخلف خطاب نخبتنا الدينية ذات المنظور السلفي و المعرقل لمسار التحديث الذي يشهده المغرب منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم سنة 1999 .

و لم تستطع خطة اعادة تاهيل الحقل الديني التي وقعت  بعد احداث 16 ماي 2003  ان تضيف التغيير المنشود  من طرف الحركة الامازيغية و غيرها من الحركات الحقوقية و المدنية  .

ان هذا التغيير المنشود لا يهدف الى ابعاد الدين الاسلامي عن الحياة  العامة او الى إلغاءه بصفة نهائية لان المغرب بلد مسلم يحكمه الملك باعتباره امير المؤمنين حسب الوثيقة الدستورية الحالية و انما يهدف هذا التغيير المنشود الى اعادة تاهيل الحقل الديني بشكل شمولي على ضوء مضامين دستور 2011 و من بينها ترسيم الامازيغية لان الفاعل الامازيغي لا يريد ان يسمع ان إمام او عالم او امين عام لحزب اسلامي معين يعتبر ان الامازيغية في واقع الامر هي مشروع استعماري او ان يمارس سياسة التحريم ضد كل ما هو امازيغي باسم الدين الحنيف.

اذن على الدولة الان اكثر من وقت مضى ان تعي مسؤوليتها التاريخية تجاه اعادة تاهيل الحقل الديني من خلال تكوين  جيل جديد من  العلماء و ائمة المساجد على الاعتزاز بحضارة بلادهم العريقة لمئات  القرون و الاعتزاز بحضارتهم الاسلامية التي تركها اجدادنا الأفاضل لنا من اجل ان نتركها بدورنا لابناءنا و احفادنا ..

ان هذا التكوين حسب رايي المتواضع عليه ان ياخذ بعين الاعتبار ما وصلت اليه الانسانية جمعاء من التقدم و التطور عوض ان نبقى سجناء للقراءة السلفية للدين الاسلامي ...

ثم عليه ان ياخذ بعين الاعتبار ان الامازيغية اصبحت لغة رسمية بمعنى انها تدخل ضمن ثوابت الدولة حيث من المفروض ان تدرج مادة اللغة الامازيغية في التعليم الاصيل بحروفها العريقة تيفيناغ و يدرج موضوع العرف الامازيغي ضمن مقرر التربية الاسلامية الخ من هذه التدابير ....

و في ختام هذا المقال المتواضع احيي الاستاذ عصيد الذي اعتبره مدرسة للاصالة المغربية بكل ابعادها و احيي كل اساتذة الحركة الامازيغية بمناسبة الذكرى الحادي عشرة لخطاب اجدير التاريخي و استحضر في هذه المناسبة الطيبة روح المرحوم الفقيه سيدي امحمد العثماني الذي ناضل داخل الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي من اجل تدوين الاعراف الامازيغية التي تعبر عن عمق علماني اصيل  في بلادنا العزيزة..